السلام عليكم..
كنت قد واعدت الاخوة بكتابة قصة قصيرة بعد مشاركة الاخت الخالة..ولكن بسبب الوقت
وعدم حملي نسخة من القصة سوف احاول الآن الوفاء بالعهد..واليكم هذه القصة بعنوان:اللوحة..
وقد يظن القارئ ان هناك تشابه بينها وقصة اللوحة للكاتب البيرتو مورافيا ولكن الفرق شاسع..
اللــــــــــوحــــــــة:
لم يحرك ساكنا منذ اكثر من ساعتين..
حينما افسدت عليه زوجته اعتكافه امام اللوحة صرخ في وجهها ان تبتعد وتدعه وشأنه، فما من سبب يدعوه
الى الإستجابة لندائها ..كثيرا ما تناديه وتعكر عليه صفوه وهدوءه..
اعلنت الزوجة انها لن تنتظر والعيال اكثر من ربع ساعة،فالعشاء سوف يبرد وهي والاولاد جياع وما من
سبب يدعوه الى البقاء مُسمَّرا فوق كرسيه ينظر الى لوحة مؤطرة بإطار تقشرت صباغته ،ذات ألوان لا تعبر
عن شئ..مندهشة من اهتمامه بهذا الفن السابع الذي لا تعرف له معنى...
اعترض مصححا ان الفن الفن السابع وحده والرسم وحده..ووصفها بالجهل والغباء ولكنها لم تهتم
لوصفه، وانسحبت تاركة اياه من جديد يتابع انشداهه وتوهانه أمام اللوحة..
نظر الى اللوحة نظرة تعجب واعجاب ..قال في حكمة فيلسوف:
-يبقى الغموض دائما حافزا وسببا للانبهار والرغبة..لكن ما إن نمسك بالمعنى و ونفهم حتى تخبو تلك
الرغبة تدريجيا..
ونهض ليلتحق بالزوجة والاولاد المحلقين حول المائدة حيث تلقته حفيدته الصغيرة بثغر باسم..
حينما جلس وزوجته تنظر اليه في سخرية ..فكر في رسمها على لوحة من توقيع فنان تافه ومغمور
و من الدرجة السفلى...مترهلة ..شعيرات بيضاء خشنة كفرشاة اسنان قديمة تطل من تحت لحافها الاسود
وملابسها متهدلة بها بقع الزيت و اثر المسح..
انهمك في الاكل ببطْء ..كانت غشاوة طفيفة تمنعه من رؤية الأشياء التي حوله والالوان تتراقص أمام ناظريه..
تلك الساعتان اللتان قضاهما امام اللوحة لم تكونا كافيتين لدراسة اللوحة وتفكيكها وسبر اغوار ما وراء الالوان
كأفكار...كان يستمر في النظر الى اللوحة اكثر مكن ربع ساعة فتختلط عليه الالوان، تتمازج،تنصهر ،ثم
تتحول الى كتلة حادة تشعره بالدوران والدوخة،فيغمض عينيه، ويحسّ أنها مازالت تلاحقه فـيـفـتح عينيه وينظر
الى السقف، ثم يعود الى الانهماك من جديد في قراءة اللوحة..
اللوحة تلك، جلبها ملفوفة في في قماش كهدية من صديق..لكنه فكر بأنه ما من مناسبة لذلك..وكان يريد السؤال
عن السبب ..لكنه نظر اليها بتعجب و إمعان ولفها في القماش..
أخبره الصديق انها رسمها فنان يقيم معارض في باريس وبرلين وروما وجنيف ليتجه غربا نحو كيبيك ونيويورك
نزولا الى بوينس ايريس ويقفز قفزة كبيرة نحو الشرق في المدن العربية الكبرى والطيران الى اقصى الجنوب
الشرقي حيث نيوزيلاندا حدا لتوغله..لوحات هذا الفنان يتخاطفها محبو الفن ..لأنها تعبر عن صدق نادر ..مرسومة
بالدموع والعرق والدم..ألم تر انه يــُكثـِر من الالوان الرمادية ..أنظر الى الخلفية الرمادية واللون الاحمر والمائي
والازرق والابيض .والاخضر والاسود..الألوان تتمازج في خشونة..أتعرف ما اسماها الفنان ؟ أسماها :الصرخة،
لأنها تصرخ في وجهك بأن تصرخ عاليا..ولكن بطلنا أثناء قراءتها في تلك الساعتين لم يصرخ..وما كان عليه ان يصرخ..
ذكر الصديق إسم الفنان ..ونسيه في غمرة التحيق في تلك اللوحة..
حمل اللوحة شاكرا، ثم خرج من منزل صديقه..
قبعت اللوحة في قعر صندوق السيارة الخلفي..
اعد العدة لتليق اللوحة على الحائط الأجرد في الغرفة المخصصة كمكتب ومكتبة ومكان لمراجعة الاولاد دروسهم..
كانت مسامير والمطرقة وحبلا من النيلون موضعة ارضا في انتظار الشروع في العمل..
بدأ دق المسمار في الحائط بصوت مسموع ..فهرع الاولاد والزوجة للاستطلاع..وجاءت الحفيدة تتهادى في فضول،
اقتربت من اللوحة الملقاة على الارض ، نظرت اليها متحسسة اطارها وزجاجها بيدها البضة الصغيرة،انبطحت بالقرب
منها تنظر اليها في في ضحك طفولي..
كانت المسامير تنكسر امام صلابة الحائط..صرخ في غضب:
-هذا الحائط كتلة..المسامير لا تستطيع اختراقه..
تدخل الولد الاكبر ممسكا بالمطرقة بيد والمسماربيد،دقه في مرونة دربة ليخترق صلابة الحائط في استقامة..واعاد
المطرقة الى الاب.
تم تعليق اللوحة في جو عائلي بديع ..قال الأب لهم متذكرا :
-هذه اللوحة إسمها الصرخة..
وصرخت الصغيرة في فرح:
-وا...وا...وا...
انتهى العشاء الذي تخلله نقاش فاتر لم يهتم له بطلنا بتاتا..جلبت الزوجة كأس شاي مملوءً ..تناوله في
رشفات مسموعة، وأنهاه حتى الثمالة.انصرف الى المكتب والجاً الغرفة ناظراً الى اللوحة ..وقف أمامها
لحظة ثم صرخ:آه..مازلت لا أفهمها ..مازلت ..مازلت
بدت اللوحة في ذلك الوقت كيئبة بائسة بسبب الضوء المعتم والخافت..مائلة الى الامام..يقبع اسم الفنان
اعلاها مقلوبا كتوقيع..
كانت اللوحة بشكل غير ملحوظ.. معلقة بالمقلوب
بنصالح محمد
كنت قد واعدت الاخوة بكتابة قصة قصيرة بعد مشاركة الاخت الخالة..ولكن بسبب الوقت
وعدم حملي نسخة من القصة سوف احاول الآن الوفاء بالعهد..واليكم هذه القصة بعنوان:اللوحة..
وقد يظن القارئ ان هناك تشابه بينها وقصة اللوحة للكاتب البيرتو مورافيا ولكن الفرق شاسع..
اللــــــــــوحــــــــة:
لم يحرك ساكنا منذ اكثر من ساعتين..
حينما افسدت عليه زوجته اعتكافه امام اللوحة صرخ في وجهها ان تبتعد وتدعه وشأنه، فما من سبب يدعوه
الى الإستجابة لندائها ..كثيرا ما تناديه وتعكر عليه صفوه وهدوءه..
اعلنت الزوجة انها لن تنتظر والعيال اكثر من ربع ساعة،فالعشاء سوف يبرد وهي والاولاد جياع وما من
سبب يدعوه الى البقاء مُسمَّرا فوق كرسيه ينظر الى لوحة مؤطرة بإطار تقشرت صباغته ،ذات ألوان لا تعبر
عن شئ..مندهشة من اهتمامه بهذا الفن السابع الذي لا تعرف له معنى...
اعترض مصححا ان الفن الفن السابع وحده والرسم وحده..ووصفها بالجهل والغباء ولكنها لم تهتم
لوصفه، وانسحبت تاركة اياه من جديد يتابع انشداهه وتوهانه أمام اللوحة..
نظر الى اللوحة نظرة تعجب واعجاب ..قال في حكمة فيلسوف:
-يبقى الغموض دائما حافزا وسببا للانبهار والرغبة..لكن ما إن نمسك بالمعنى و ونفهم حتى تخبو تلك
الرغبة تدريجيا..
ونهض ليلتحق بالزوجة والاولاد المحلقين حول المائدة حيث تلقته حفيدته الصغيرة بثغر باسم..
حينما جلس وزوجته تنظر اليه في سخرية ..فكر في رسمها على لوحة من توقيع فنان تافه ومغمور
و من الدرجة السفلى...مترهلة ..شعيرات بيضاء خشنة كفرشاة اسنان قديمة تطل من تحت لحافها الاسود
وملابسها متهدلة بها بقع الزيت و اثر المسح..
انهمك في الاكل ببطْء ..كانت غشاوة طفيفة تمنعه من رؤية الأشياء التي حوله والالوان تتراقص أمام ناظريه..
تلك الساعتان اللتان قضاهما امام اللوحة لم تكونا كافيتين لدراسة اللوحة وتفكيكها وسبر اغوار ما وراء الالوان
كأفكار...كان يستمر في النظر الى اللوحة اكثر مكن ربع ساعة فتختلط عليه الالوان، تتمازج،تنصهر ،ثم
تتحول الى كتلة حادة تشعره بالدوران والدوخة،فيغمض عينيه، ويحسّ أنها مازالت تلاحقه فـيـفـتح عينيه وينظر
الى السقف، ثم يعود الى الانهماك من جديد في قراءة اللوحة..
اللوحة تلك، جلبها ملفوفة في في قماش كهدية من صديق..لكنه فكر بأنه ما من مناسبة لذلك..وكان يريد السؤال
عن السبب ..لكنه نظر اليها بتعجب و إمعان ولفها في القماش..
أخبره الصديق انها رسمها فنان يقيم معارض في باريس وبرلين وروما وجنيف ليتجه غربا نحو كيبيك ونيويورك
نزولا الى بوينس ايريس ويقفز قفزة كبيرة نحو الشرق في المدن العربية الكبرى والطيران الى اقصى الجنوب
الشرقي حيث نيوزيلاندا حدا لتوغله..لوحات هذا الفنان يتخاطفها محبو الفن ..لأنها تعبر عن صدق نادر ..مرسومة
بالدموع والعرق والدم..ألم تر انه يــُكثـِر من الالوان الرمادية ..أنظر الى الخلفية الرمادية واللون الاحمر والمائي
والازرق والابيض .والاخضر والاسود..الألوان تتمازج في خشونة..أتعرف ما اسماها الفنان ؟ أسماها :الصرخة،
لأنها تصرخ في وجهك بأن تصرخ عاليا..ولكن بطلنا أثناء قراءتها في تلك الساعتين لم يصرخ..وما كان عليه ان يصرخ..
ذكر الصديق إسم الفنان ..ونسيه في غمرة التحيق في تلك اللوحة..
حمل اللوحة شاكرا، ثم خرج من منزل صديقه..
قبعت اللوحة في قعر صندوق السيارة الخلفي..
اعد العدة لتليق اللوحة على الحائط الأجرد في الغرفة المخصصة كمكتب ومكتبة ومكان لمراجعة الاولاد دروسهم..
كانت مسامير والمطرقة وحبلا من النيلون موضعة ارضا في انتظار الشروع في العمل..
بدأ دق المسمار في الحائط بصوت مسموع ..فهرع الاولاد والزوجة للاستطلاع..وجاءت الحفيدة تتهادى في فضول،
اقتربت من اللوحة الملقاة على الارض ، نظرت اليها متحسسة اطارها وزجاجها بيدها البضة الصغيرة،انبطحت بالقرب
منها تنظر اليها في في ضحك طفولي..
كانت المسامير تنكسر امام صلابة الحائط..صرخ في غضب:
-هذا الحائط كتلة..المسامير لا تستطيع اختراقه..
تدخل الولد الاكبر ممسكا بالمطرقة بيد والمسماربيد،دقه في مرونة دربة ليخترق صلابة الحائط في استقامة..واعاد
المطرقة الى الاب.
تم تعليق اللوحة في جو عائلي بديع ..قال الأب لهم متذكرا :
-هذه اللوحة إسمها الصرخة..
وصرخت الصغيرة في فرح:
-وا...وا...وا...
انتهى العشاء الذي تخلله نقاش فاتر لم يهتم له بطلنا بتاتا..جلبت الزوجة كأس شاي مملوءً ..تناوله في
رشفات مسموعة، وأنهاه حتى الثمالة.انصرف الى المكتب والجاً الغرفة ناظراً الى اللوحة ..وقف أمامها
لحظة ثم صرخ:آه..مازلت لا أفهمها ..مازلت ..مازلت
بدت اللوحة في ذلك الوقت كيئبة بائسة بسبب الضوء المعتم والخافت..مائلة الى الامام..يقبع اسم الفنان
اعلاها مقلوبا كتوقيع..
كانت اللوحة بشكل غير ملحوظ.. معلقة بالمقلوب
بنصالح محمد
عدل سابقا من قبل محمد بن صالح في الإثنين 01 يونيو 2009, 12:44 عدل 1 مرات