من القبيلة إلى المدينة
القبيلة مجموعة بشرية تربطها قرابة الدم والنسب، دائمة الترحال في البادية بحثا عن أماكن الكلأ والماء لرعي مواشيها، أما المدينة فهي تجمع سكاني من أجناس مختلفة، يعيش حياة الاستقرار والتطور العمراني.
تختلف طبيعة الحياة في أحضان القبيلة عن حياة المدينة، ففي القبيلة حيث الأعراف والتقاليد والقيم هي القانون السائد والمسير للحياة اليومية، عاش الإنسان البدوي داخل علاقة أسرية كبيرة فرضتها مجموعة من الاكراهات لعل أبرزها، الجانب الأمني، كون حياة "السيبة" والاعتداء كانت من سمات الكثير من أهل البدو، فلم يكن بمقدور هذا الإنسان البدوي العيش منعزلا ووحيدا في رحاب الصحراء الشاسعة، إضافة إلى هذا كانت القبيلة تجمعا يلبي مطالب ضرورية، كتعليم الأنباء مثلا، وذلك بوجود فقيه في كل تجمع "فريـك" يشرف على عملية التعليم والتلقين، كما كانت القبيلة توفر المتطلبات الأساسية من مواد غذائية، والتي كانت تجلب على شكل تجارة (حبوب. أثواب. شاي. سكر). فضلا عن وجود مبدأ التعاقد بين أبنائها على التعاون في مهام كثيرة. كالحرث والحصاد وجمع الغلة من زرع وأشعار المعز ووبر.. والتي يصعب القيام بها بشكل فردي، بل تتطلب تعاونا وتكاثفا للجهد.
فحتى ذلك الشخص الذي تنبذه أحيانا القبيلة وتطرده من ديارها لسبب أو لأخر كان محتم عليه الانضمام إلى قبيلة أخرى وهو ما يسمى في العرف القبلي ب "الدخيلة". مما يعني أن الإنسان البدوي ابن للقبيلة ومخلص لها، وكنوع من الولاء لها كان الزواج في الغالب لا يتم خارجا عن نطاقها، ليظل محكوم بهذه العلاقة الأسرية الكبيرة والعيش داخلها.
أما في المدينة، فالوضع مختلف حيث أصبح البدوي الذي كان مقيدا داخل حدود القبيلة. أصبح ذو حياة مؤطرة بأضلاع ثلاث وهي: المسكن حيث يسكن، ومكان العمل حيث يعمل، والسوق الذي يقتني منه حاجياته الضرورية، إضافة إلى مرافق عمومية أخرى كالمشافي والمدارس والإدارات الأخرى والتي تلبي هي الأخرى مطالب متعددة. فتجده يسكن والى جنبه يقطن آخرون ليسوا من بني جلدته، وفي العمل يعمل مع أشخاص ذو انتماءات قبلية مختلفة، أما في علاقاته الاجتماعية والإدارية فيتعامل ببطاقة تعرف بشخصه، اسما كاملا، وتاريخ ميلاد، وعنوانا، وبالتالي فدور القبيلة بات مستغنى عنه في الحياة اليومية، وأصبح مقتصرا فقط على العلاقات الودية والتعاون في أمور تفرضها الظروف الطارئة مثل مصاريف علاج بعض الأمراض الخطيرة أو المساعدة المادية لحل بعض المشاكل والأزمات.
غير انه ورغم حياة المدينة الجديدة هذه لم يتخلى الإنسان البدوي عن الفكر القبلي والبدوي الذي تربى عليه أو ورثه كموروث، الشيء الذي قد يتطلب عقودا أخرى، فمازال هذا الإنسان يعيش في المدينة وهو محكوم بعقلية البداوة، فنجده لازال يمتلك رؤوسا من الأغنام فوق السطوح أو في الاحواش بجانب البيوت، لازال إذا جادت السماء يخرج بأبنائه لعملية الحرث يرتجي منها ولو علفا لشياهه الحلوبة، لازال إذا جلس إلى طبلة الشاي لا يشرب كأسا واحدا على السريع بل ثلاث كؤوس قد يمددها إلى رابع لساعات، لازال اذا تكلم مع زوجته يرفع صوته بصفة المتسلط في البيت. لازال إذا مر في الشارع لا يعرف نظام الأسبقية ولا احترام إشارة المرور، لازال ..
والجواب عن كل هذا وبكل بديهية. هو أن التحضر المادي يسبق التحضر الفكري. وبالتالي فليس من السهل التحضر بطريقة سريعة بعد الانتقال من تحت الخيمة إلى منزل مجهز بأحدث الوسائل العصرية. ليبقى فقط تحضره مجرد شكل من التحضر المادي ليس إلا، أما الفكري فيتطلب عقودا إن لم نقل مجيء أجيال أخرى وتلك سنة الحياة في التطور والتغيير
القبيلة مجموعة بشرية تربطها قرابة الدم والنسب، دائمة الترحال في البادية بحثا عن أماكن الكلأ والماء لرعي مواشيها، أما المدينة فهي تجمع سكاني من أجناس مختلفة، يعيش حياة الاستقرار والتطور العمراني.
تختلف طبيعة الحياة في أحضان القبيلة عن حياة المدينة، ففي القبيلة حيث الأعراف والتقاليد والقيم هي القانون السائد والمسير للحياة اليومية، عاش الإنسان البدوي داخل علاقة أسرية كبيرة فرضتها مجموعة من الاكراهات لعل أبرزها، الجانب الأمني، كون حياة "السيبة" والاعتداء كانت من سمات الكثير من أهل البدو، فلم يكن بمقدور هذا الإنسان البدوي العيش منعزلا ووحيدا في رحاب الصحراء الشاسعة، إضافة إلى هذا كانت القبيلة تجمعا يلبي مطالب ضرورية، كتعليم الأنباء مثلا، وذلك بوجود فقيه في كل تجمع "فريـك" يشرف على عملية التعليم والتلقين، كما كانت القبيلة توفر المتطلبات الأساسية من مواد غذائية، والتي كانت تجلب على شكل تجارة (حبوب. أثواب. شاي. سكر). فضلا عن وجود مبدأ التعاقد بين أبنائها على التعاون في مهام كثيرة. كالحرث والحصاد وجمع الغلة من زرع وأشعار المعز ووبر.. والتي يصعب القيام بها بشكل فردي، بل تتطلب تعاونا وتكاثفا للجهد.
فحتى ذلك الشخص الذي تنبذه أحيانا القبيلة وتطرده من ديارها لسبب أو لأخر كان محتم عليه الانضمام إلى قبيلة أخرى وهو ما يسمى في العرف القبلي ب "الدخيلة". مما يعني أن الإنسان البدوي ابن للقبيلة ومخلص لها، وكنوع من الولاء لها كان الزواج في الغالب لا يتم خارجا عن نطاقها، ليظل محكوم بهذه العلاقة الأسرية الكبيرة والعيش داخلها.
أما في المدينة، فالوضع مختلف حيث أصبح البدوي الذي كان مقيدا داخل حدود القبيلة. أصبح ذو حياة مؤطرة بأضلاع ثلاث وهي: المسكن حيث يسكن، ومكان العمل حيث يعمل، والسوق الذي يقتني منه حاجياته الضرورية، إضافة إلى مرافق عمومية أخرى كالمشافي والمدارس والإدارات الأخرى والتي تلبي هي الأخرى مطالب متعددة. فتجده يسكن والى جنبه يقطن آخرون ليسوا من بني جلدته، وفي العمل يعمل مع أشخاص ذو انتماءات قبلية مختلفة، أما في علاقاته الاجتماعية والإدارية فيتعامل ببطاقة تعرف بشخصه، اسما كاملا، وتاريخ ميلاد، وعنوانا، وبالتالي فدور القبيلة بات مستغنى عنه في الحياة اليومية، وأصبح مقتصرا فقط على العلاقات الودية والتعاون في أمور تفرضها الظروف الطارئة مثل مصاريف علاج بعض الأمراض الخطيرة أو المساعدة المادية لحل بعض المشاكل والأزمات.
غير انه ورغم حياة المدينة الجديدة هذه لم يتخلى الإنسان البدوي عن الفكر القبلي والبدوي الذي تربى عليه أو ورثه كموروث، الشيء الذي قد يتطلب عقودا أخرى، فمازال هذا الإنسان يعيش في المدينة وهو محكوم بعقلية البداوة، فنجده لازال يمتلك رؤوسا من الأغنام فوق السطوح أو في الاحواش بجانب البيوت، لازال إذا جادت السماء يخرج بأبنائه لعملية الحرث يرتجي منها ولو علفا لشياهه الحلوبة، لازال إذا جلس إلى طبلة الشاي لا يشرب كأسا واحدا على السريع بل ثلاث كؤوس قد يمددها إلى رابع لساعات، لازال اذا تكلم مع زوجته يرفع صوته بصفة المتسلط في البيت. لازال إذا مر في الشارع لا يعرف نظام الأسبقية ولا احترام إشارة المرور، لازال ..
والجواب عن كل هذا وبكل بديهية. هو أن التحضر المادي يسبق التحضر الفكري. وبالتالي فليس من السهل التحضر بطريقة سريعة بعد الانتقال من تحت الخيمة إلى منزل مجهز بأحدث الوسائل العصرية. ليبقى فقط تحضره مجرد شكل من التحضر المادي ليس إلا، أما الفكري فيتطلب عقودا إن لم نقل مجيء أجيال أخرى وتلك سنة الحياة في التطور والتغيير