كتاب تاريخ موريتانيا فصول و معالجات ، هو ثمرة جهود مجموعة من الباحثين الموريتانيين ، الذين ضمنوه خلاصات بحوثهم و أهم إصداراتهم حول التأريخ و التأصيل لما يسمى بموريتانيا اليوم .
إخترت لكم من بين ثناياه فصل بعنون / موريتاناي خلال العهد الحساني ملامح التحولات الإجتماعية و السياسية من القرن 14 إلى القرن 19 .
تعتبر المنطقة الممتدة على شكل مثلث رأسه أدرار و قاعدته اليمنى بلاد الحوض و اليسرى بلاد القبلة [ الترارزة و البراكنة ] ذات أهمية قصوى في السيرورة السياسية و الثقافية و الإجتماعية لباقي المجموعات الحسانية خارج المثلث .
و على هذا الأساس بقي خارج المثلث المسمى اليوم [ موريتانيا ] أجزاء مهمة جدا و هي :
بلاد واد نون : الممتدة من حواف جبال الأطلس الصغير إلى مشارف واد الساقية و من شواطئ المحيط إلى مشارف حمادة تندوف ، تستوطن هاته البلاد قبائل تكنة ذات التقاليد الحربية و ثقافة غزي الضاربة أطنابها في عمق التاريخ المحلي إضافة إلى قبائل أخرى تآلفت و توالمت مع طبيعة المنطقة و تقاليد أهلها ، إما متزوية نسبة إلى لفظ [ زوايا ] أو مزنكة نسبة إلى [ أزناكة ] أو تابعة ، لكن وجود المنطقة على مشارف دار المخزن جعل تداعيات ذلك يلقي بظلاله على المنطقة .
بلاد الساقية الحمراء : تمتد من ضفة الساقية الحمراء إلى مشارف تيرس جنوبا و من شاطئ المحيط الأطلسي غربا إلى أعماق الصحراء شرقا على مشارف توات .
إستوطنت قبائل متنوعة المنطقة و تسيدت عليها بعد صراعات ضارية و حروب طاحنة و فشلت جميع جهود سيطرة قبيلة بعينها عليها و ظلت ملجأ الفارين من الثأر و الملاحقة القبلية من الشمال و الجنوب ، و شكلت الممنطقة في أواسط القرن 19 نقطة إنطلاق حملات غزو واسعة تجاه موريتانيا اليوم و ذلك ما تخلده لنا كتب الحوليات .
بلاد أزواد : الممتدة حاليا شمال مالي و التي تسوتطنها قبائل كنتة و البرابيش و قبائل أخرى ، شكلت نقطة وصل ما بين بلاد البيضان وافريقيا السوداء ، و قد أعطت عائلة سيدي المختار الكنتي لهاته البلاد وزنها الروحي و الثقافي و حتى السياسي عندما صارت وجهة طلبة العلم و التجار الباحثين عن الأمان و السلم ، و القبائل المتحاربة ذات الشوكة و الباحثة عن وساطة .
فلنترك عنها مناطق الهامش البيضانية / واد نون / الساقية / أزواد / و لنبحر مع محمد المختار ولد السعد في معالجته لملامح التحول السياسي و الإجتماعي في البلاد الموريتانية خلال العهد الحساني الذي يمتد نظريا من القرن 14 و فعليا من القرن 17 إلى حلول الإستعمار الفرنسي بالبلاد .
شهد موريتانيا على مشارف العهد الحديث هجرة قبلية كبرى ألى و هي هجرة قبائل بني حسان و نزوحها إلى المنطقة التي أثرت و بشكل كبير جدا على مجريات الأمور بالمنطقة على أكثر من صعيد إقتصادي و إجتماعي و سياسي ، و إذا كانت هاته الهجرة تمثل منعطفا تاريخيا هاما بالنسبة للمنطقة فإن قيام الإمارات جاء تجسيدا فعليا لسيطرة بني حسان على البلاد و العباد .
يعالج محمد المختار ولد السعد في مقاله هذا أوجه الحضور الحساني و يتتبع مراحله منذ الإرهاصات الأولى ، لتحركات بني حسان ، و إن كان لا يعطينا بالتدقيق طرق دخول بني حسان للبلاد الموريتانية ، و تاريخ سيطرتهم على بلاد الساقية و واد نون ، و الفترة الزمنية التي مكثوها في هاته البلاد ، و التغيرات الجذرية التي أحدثوها ، فقد عزف على غرار الباحثين الموريتانيين على إعتبار الفترة الوادنونية غير مهمة ، و كأن هاته القبائل قفزت عن واد نون و لم تعمر فيه طويلا ، و ذلك ما يتنافى مع المنطق التاريخي و الأنثروبولوجي ، فقد كانت لهاته القبائل فترة مهمة بواد نون يمكن إجتهادا أن نقدرها في 3 قرون تقريبا إستوطنت فيها هاته القبائل المناطق الوادنونية جميعها ، عملت في هاته الفترة على تخضيض شوكة القبائل الصنهاجية بعدة طرق أولها الإستيعاب و هو تقليد عربي قديم تلجأ له القبائل العربية إن كانت وافدة على البلاد فتقوم بإستيعاب عشائر و قبائل برمتها داخل النسيج العربي كحلفاء يتحولون فيما بعد بطريقة أوتوماتيكية لبني عمومة بالإنتماء لهم ما للقبيلة و عليهم ما عليها ، و الدافع وراء ذلك هو المنفعة المشتركة فالمستوعب يرى في القبيلة العربية القوة الحربية العالية الشيء الذي يجعله و الحالة هاته في غنى عن أي مواجهة محتملة ، و هو بالتالي يقتنص عصفورين بحجر واحد ، فيصبح حسانيا و ما يتبع ذلك من نخوة و مكانة إجتماعية كبيرة ، و يصبح منتميا لقبيلة حربية الجميع يهابها .
الطريقة الثانية التي إتبعتها القبائل الحسانية في واد نون هي المواجهة القتالية و التي تعددت و تكررت بشكل كبير ، لكن و للأسف الشديد لم يخلد لنا الإخباريون هاته المرحلة بتفاصيلها الدقيقة حتى نتمكن من تتبع حروب و غزوات القبائل الحاسانية في واد نون حتى يتسنى لنا دراسة تداعياتها .
على العموم نعود لقراءة مقال الدكتور محمد المختار ولد السعد الذي يبدأ سرد أحدثا التغيير منذ أن هلت القبائل العربية على بلاد تيرس ، لكن قبل ذلك وجب التأكيد على أن توجه القبائل الحسانية صوب واد نون و الصحراء قد أتى في خضم الصراعات المحتدمة التي شهدها المغرب طيلة العهدين الموحدي و بداية عهد المريني .
يقول صاحب المقال : أستقر بني معقل الفرع الذي تنتمي له المجموعة الحسانية جنوب مراكش و إعتد عليهم السلاطين المرينيون في مدهم بوحدات عسكرية للسهر على جباية الضرائب و تأمين حدود الدولة ، و من هنا بدأ إتصالهم بالأراضي الصحراوية و تحلوا من أداة للتأمين في يد الدولة و ممثلين لها في الثخوم الصحراوية إلى جماعات من المستوطنين تطمح للإستئثار بإدارة شؤون تلك المنطقة .
و هو ها هنا يتماشى و ما جاء عند كل من إبن خلدون في تاريخه و إبن عذارى في البيان المغرب في أخبار الأندلس و المغرب . يقول إبن خلدون بالحرف عن نفوذ بني حسان خلال نهاية القرن 14 [ كانوا يمتلكون المناطق الواقعة بين درعة و المحيط و ينزل شيوخهم في بلاد نول [ واد نون ] فيستولون على السوس الأقصى و ما إليه ، و ينتجعون كلهم في الرمال إلى مواطن الملثمين ] إنتهى كلام إبن خلدون و هي إشارة توضح قاعدة إستقرار بني حسان و إستعدادهم لجواز الصحراء في إتجاه موريتانيا اليوم .
و في مصادر القرن 15 البرتغالية إشارة جلية للتواجد الحساني بالصحراء و إستعدادهم للتوجه صوب موريتانيا JOAO FERNANDES الذي أمضى بضعة أشهر في مضارب خيام إحى القبائل الحسانية ما بين 1445 – 1446 وصف وصفا دقيقا القبائل الحسانية و سطوتها على الصحراء ما بين / واد درعة و تيرس / و قسمها إلى :
العرب ALARAVEZ و يقصد بهم بنو حسان .
صنهاجة AZNAGUES و يقصد بهم القبائل الصنهاجية .
البربر BARBAROS و يقصد عليهم القبائل التابعة .
واصفا هذا المجتمع على أساس أنه يتميز بروح الثأر و الشهامة و الإباء التي تطبع حياة البداوة المتأصلة .
ليو أفركانوس الذي زار المنطقة خلال القرن 16 قسم بني حسان إلى ثلاث تفريعات أساسية
أولاد دليم : الذين يتمركزون في الصحراء تيرس و يترددون على درعة للتبادل ليست لديهم قيادة وعترف بها خلال زيارته .
البرابيش : يسكنون بأعداد كبيرة في المناطق الداخلية و كانوا حسب ليون من أوائل القبائل التي أطلت برأسها على البلاد الموريتانية و كانت قبيلة كثيرة العدد .
أدي أو الأوداية : المجموعة الحسانية الأكثر عددا و الأكثر قوة و شكيمة و التي منها ستنحدر الإمارات الحسانية و التي ستسير البلاد الموريتانية و ستسيطر عليها أيما سيطرة و التي أطلت برأسها في هاته الفترة على تيرس الجنوبي [ ولاية تيرس زمور اليوم الموريتانية ] و كانت أولى قبائها نزوحا نحو الجنوب هي قبيلة أولاد الناصر التي سيكون لها سهم السبق في دك إحدى الإمارات الصنهاجية القوية آنذاك في المنطقة دكا و هي إمارة إدوكل الصنهاجية التي بلف تاريخها الغموض .
ينتقل لنا محمد المختار ولد السعد مباشرة إلى التفصيل التاريخي في حدث دخول القبائل الحسانية المغفرية منها على وجه الخصوص لقلب البلاد الموريتانية و سيطرتهم عليها ، و يشرع صحبة المؤرخ محمد اليدالي المتوفي سنة 1753 في الحديث عن المجموعات الحسانية التي عانت من وطئتها القبائل الصنهاجية و يذكر على رأسها أولاد رزك و أولاد رزك هم بنو العمومة الأقربون للمغافرة ، و كيف عانت المجموعة الشمشوية الزاوية من وطئتها و يسوق لنا عدة روايات لليدالي تبين مدى تغلبها و سطوتها .
ليتليهم فترة تغلب المغافرة على البلاد و سيطرتهم النهائية و تم ذلك على مرحلتين ، المرحلة الأولى و هي أضعاف و ضعضعة نفوذ أولاد رزك السياسي بالمنطقة و من تم و خلال المرحلة الثانية شن الهجمات على تشمشة المتنفذة في الجنوب الغربي الموريتاني و هو ما سمي بحرب شرببة و التي آلت نتائجها للمجموعات المغفرية و هي [ الترارزة / البراكنة / أولاد يحيى بن عثمان / أولاد مبارك ] و التي ستؤسس كل منها إمارة في إحدى الجهات من البلاد الموريتانية الترارزة سيستأثرون رفقة البراكنة بالمنطقة المصاقبة للنهر و التي تعفر إصطلاحا ب الكبلة ، و تسمية الترارزة و البراكنة لا تزال تطلق على المنطقة إلى اليوم كولايتين موريتانيتين ، أما أولاد يحيى بن عثمان فقد أسسوا إمارة في أدرار بعد أن قضوا على إمارة إديشلي و جعلوها تدور في فلكهم ، أولاد مبارك أسسوا أقوى و أكبر و أعتى إمارة على الإطلاق في بلاد الحوض لكنها صرعان ما إنهارت بعد الحرب الضروس بين فروع القبيلة و تشكيلاتها .
و إذا كان بنو حسان قد إنتشروا في معظم الأراضي الموريتانية منذ القرن 15 و اصبحوا أصحاب الشوكة يقول ولد السعد إلا أنهم لم يستطيعوا إحداث نقلة نوعية في مجال ا لتنظيم السياسي السائد بالمنطقة إلا بعد عملية مخاض عسير جدا إستغرق ثلاثة قرون من الزمن ، و من المؤكد أنهم لم يوحدوا المناطق التي سيطروا عليها سياسيا ، لكنهم نجحوا نجاحا باهرا في توحيدها ثقافيا بنشرهم لغتهم الحسانية في عموم البلاد الممتدة من تخوم واد نون إلى نهر السنغال .
كانت هاته محاولة قراءة في كتاب مهم جدا عن تاريخ بني حسان ، لم أستطع حقيقة الإلمام به إلمام شاملا ، لكني فضلت أن أشرككم ببعض النتف المعرفية منه .
لمتعليقات القراء غير المسجلين
abdallahi.elbouaitaoui@gmail.com
إخترت لكم من بين ثناياه فصل بعنون / موريتاناي خلال العهد الحساني ملامح التحولات الإجتماعية و السياسية من القرن 14 إلى القرن 19 .
تعتبر المنطقة الممتدة على شكل مثلث رأسه أدرار و قاعدته اليمنى بلاد الحوض و اليسرى بلاد القبلة [ الترارزة و البراكنة ] ذات أهمية قصوى في السيرورة السياسية و الثقافية و الإجتماعية لباقي المجموعات الحسانية خارج المثلث .
و على هذا الأساس بقي خارج المثلث المسمى اليوم [ موريتانيا ] أجزاء مهمة جدا و هي :
بلاد واد نون : الممتدة من حواف جبال الأطلس الصغير إلى مشارف واد الساقية و من شواطئ المحيط إلى مشارف حمادة تندوف ، تستوطن هاته البلاد قبائل تكنة ذات التقاليد الحربية و ثقافة غزي الضاربة أطنابها في عمق التاريخ المحلي إضافة إلى قبائل أخرى تآلفت و توالمت مع طبيعة المنطقة و تقاليد أهلها ، إما متزوية نسبة إلى لفظ [ زوايا ] أو مزنكة نسبة إلى [ أزناكة ] أو تابعة ، لكن وجود المنطقة على مشارف دار المخزن جعل تداعيات ذلك يلقي بظلاله على المنطقة .
بلاد الساقية الحمراء : تمتد من ضفة الساقية الحمراء إلى مشارف تيرس جنوبا و من شاطئ المحيط الأطلسي غربا إلى أعماق الصحراء شرقا على مشارف توات .
إستوطنت قبائل متنوعة المنطقة و تسيدت عليها بعد صراعات ضارية و حروب طاحنة و فشلت جميع جهود سيطرة قبيلة بعينها عليها و ظلت ملجأ الفارين من الثأر و الملاحقة القبلية من الشمال و الجنوب ، و شكلت الممنطقة في أواسط القرن 19 نقطة إنطلاق حملات غزو واسعة تجاه موريتانيا اليوم و ذلك ما تخلده لنا كتب الحوليات .
بلاد أزواد : الممتدة حاليا شمال مالي و التي تسوتطنها قبائل كنتة و البرابيش و قبائل أخرى ، شكلت نقطة وصل ما بين بلاد البيضان وافريقيا السوداء ، و قد أعطت عائلة سيدي المختار الكنتي لهاته البلاد وزنها الروحي و الثقافي و حتى السياسي عندما صارت وجهة طلبة العلم و التجار الباحثين عن الأمان و السلم ، و القبائل المتحاربة ذات الشوكة و الباحثة عن وساطة .
فلنترك عنها مناطق الهامش البيضانية / واد نون / الساقية / أزواد / و لنبحر مع محمد المختار ولد السعد في معالجته لملامح التحول السياسي و الإجتماعي في البلاد الموريتانية خلال العهد الحساني الذي يمتد نظريا من القرن 14 و فعليا من القرن 17 إلى حلول الإستعمار الفرنسي بالبلاد .
شهد موريتانيا على مشارف العهد الحديث هجرة قبلية كبرى ألى و هي هجرة قبائل بني حسان و نزوحها إلى المنطقة التي أثرت و بشكل كبير جدا على مجريات الأمور بالمنطقة على أكثر من صعيد إقتصادي و إجتماعي و سياسي ، و إذا كانت هاته الهجرة تمثل منعطفا تاريخيا هاما بالنسبة للمنطقة فإن قيام الإمارات جاء تجسيدا فعليا لسيطرة بني حسان على البلاد و العباد .
يعالج محمد المختار ولد السعد في مقاله هذا أوجه الحضور الحساني و يتتبع مراحله منذ الإرهاصات الأولى ، لتحركات بني حسان ، و إن كان لا يعطينا بالتدقيق طرق دخول بني حسان للبلاد الموريتانية ، و تاريخ سيطرتهم على بلاد الساقية و واد نون ، و الفترة الزمنية التي مكثوها في هاته البلاد ، و التغيرات الجذرية التي أحدثوها ، فقد عزف على غرار الباحثين الموريتانيين على إعتبار الفترة الوادنونية غير مهمة ، و كأن هاته القبائل قفزت عن واد نون و لم تعمر فيه طويلا ، و ذلك ما يتنافى مع المنطق التاريخي و الأنثروبولوجي ، فقد كانت لهاته القبائل فترة مهمة بواد نون يمكن إجتهادا أن نقدرها في 3 قرون تقريبا إستوطنت فيها هاته القبائل المناطق الوادنونية جميعها ، عملت في هاته الفترة على تخضيض شوكة القبائل الصنهاجية بعدة طرق أولها الإستيعاب و هو تقليد عربي قديم تلجأ له القبائل العربية إن كانت وافدة على البلاد فتقوم بإستيعاب عشائر و قبائل برمتها داخل النسيج العربي كحلفاء يتحولون فيما بعد بطريقة أوتوماتيكية لبني عمومة بالإنتماء لهم ما للقبيلة و عليهم ما عليها ، و الدافع وراء ذلك هو المنفعة المشتركة فالمستوعب يرى في القبيلة العربية القوة الحربية العالية الشيء الذي يجعله و الحالة هاته في غنى عن أي مواجهة محتملة ، و هو بالتالي يقتنص عصفورين بحجر واحد ، فيصبح حسانيا و ما يتبع ذلك من نخوة و مكانة إجتماعية كبيرة ، و يصبح منتميا لقبيلة حربية الجميع يهابها .
الطريقة الثانية التي إتبعتها القبائل الحسانية في واد نون هي المواجهة القتالية و التي تعددت و تكررت بشكل كبير ، لكن و للأسف الشديد لم يخلد لنا الإخباريون هاته المرحلة بتفاصيلها الدقيقة حتى نتمكن من تتبع حروب و غزوات القبائل الحاسانية في واد نون حتى يتسنى لنا دراسة تداعياتها .
على العموم نعود لقراءة مقال الدكتور محمد المختار ولد السعد الذي يبدأ سرد أحدثا التغيير منذ أن هلت القبائل العربية على بلاد تيرس ، لكن قبل ذلك وجب التأكيد على أن توجه القبائل الحسانية صوب واد نون و الصحراء قد أتى في خضم الصراعات المحتدمة التي شهدها المغرب طيلة العهدين الموحدي و بداية عهد المريني .
يقول صاحب المقال : أستقر بني معقل الفرع الذي تنتمي له المجموعة الحسانية جنوب مراكش و إعتد عليهم السلاطين المرينيون في مدهم بوحدات عسكرية للسهر على جباية الضرائب و تأمين حدود الدولة ، و من هنا بدأ إتصالهم بالأراضي الصحراوية و تحلوا من أداة للتأمين في يد الدولة و ممثلين لها في الثخوم الصحراوية إلى جماعات من المستوطنين تطمح للإستئثار بإدارة شؤون تلك المنطقة .
و هو ها هنا يتماشى و ما جاء عند كل من إبن خلدون في تاريخه و إبن عذارى في البيان المغرب في أخبار الأندلس و المغرب . يقول إبن خلدون بالحرف عن نفوذ بني حسان خلال نهاية القرن 14 [ كانوا يمتلكون المناطق الواقعة بين درعة و المحيط و ينزل شيوخهم في بلاد نول [ واد نون ] فيستولون على السوس الأقصى و ما إليه ، و ينتجعون كلهم في الرمال إلى مواطن الملثمين ] إنتهى كلام إبن خلدون و هي إشارة توضح قاعدة إستقرار بني حسان و إستعدادهم لجواز الصحراء في إتجاه موريتانيا اليوم .
و في مصادر القرن 15 البرتغالية إشارة جلية للتواجد الحساني بالصحراء و إستعدادهم للتوجه صوب موريتانيا JOAO FERNANDES الذي أمضى بضعة أشهر في مضارب خيام إحى القبائل الحسانية ما بين 1445 – 1446 وصف وصفا دقيقا القبائل الحسانية و سطوتها على الصحراء ما بين / واد درعة و تيرس / و قسمها إلى :
العرب ALARAVEZ و يقصد بهم بنو حسان .
صنهاجة AZNAGUES و يقصد بهم القبائل الصنهاجية .
البربر BARBAROS و يقصد عليهم القبائل التابعة .
واصفا هذا المجتمع على أساس أنه يتميز بروح الثأر و الشهامة و الإباء التي تطبع حياة البداوة المتأصلة .
ليو أفركانوس الذي زار المنطقة خلال القرن 16 قسم بني حسان إلى ثلاث تفريعات أساسية
أولاد دليم : الذين يتمركزون في الصحراء تيرس و يترددون على درعة للتبادل ليست لديهم قيادة وعترف بها خلال زيارته .
البرابيش : يسكنون بأعداد كبيرة في المناطق الداخلية و كانوا حسب ليون من أوائل القبائل التي أطلت برأسها على البلاد الموريتانية و كانت قبيلة كثيرة العدد .
أدي أو الأوداية : المجموعة الحسانية الأكثر عددا و الأكثر قوة و شكيمة و التي منها ستنحدر الإمارات الحسانية و التي ستسير البلاد الموريتانية و ستسيطر عليها أيما سيطرة و التي أطلت برأسها في هاته الفترة على تيرس الجنوبي [ ولاية تيرس زمور اليوم الموريتانية ] و كانت أولى قبائها نزوحا نحو الجنوب هي قبيلة أولاد الناصر التي سيكون لها سهم السبق في دك إحدى الإمارات الصنهاجية القوية آنذاك في المنطقة دكا و هي إمارة إدوكل الصنهاجية التي بلف تاريخها الغموض .
ينتقل لنا محمد المختار ولد السعد مباشرة إلى التفصيل التاريخي في حدث دخول القبائل الحسانية المغفرية منها على وجه الخصوص لقلب البلاد الموريتانية و سيطرتهم عليها ، و يشرع صحبة المؤرخ محمد اليدالي المتوفي سنة 1753 في الحديث عن المجموعات الحسانية التي عانت من وطئتها القبائل الصنهاجية و يذكر على رأسها أولاد رزك و أولاد رزك هم بنو العمومة الأقربون للمغافرة ، و كيف عانت المجموعة الشمشوية الزاوية من وطئتها و يسوق لنا عدة روايات لليدالي تبين مدى تغلبها و سطوتها .
ليتليهم فترة تغلب المغافرة على البلاد و سيطرتهم النهائية و تم ذلك على مرحلتين ، المرحلة الأولى و هي أضعاف و ضعضعة نفوذ أولاد رزك السياسي بالمنطقة و من تم و خلال المرحلة الثانية شن الهجمات على تشمشة المتنفذة في الجنوب الغربي الموريتاني و هو ما سمي بحرب شرببة و التي آلت نتائجها للمجموعات المغفرية و هي [ الترارزة / البراكنة / أولاد يحيى بن عثمان / أولاد مبارك ] و التي ستؤسس كل منها إمارة في إحدى الجهات من البلاد الموريتانية الترارزة سيستأثرون رفقة البراكنة بالمنطقة المصاقبة للنهر و التي تعفر إصطلاحا ب الكبلة ، و تسمية الترارزة و البراكنة لا تزال تطلق على المنطقة إلى اليوم كولايتين موريتانيتين ، أما أولاد يحيى بن عثمان فقد أسسوا إمارة في أدرار بعد أن قضوا على إمارة إديشلي و جعلوها تدور في فلكهم ، أولاد مبارك أسسوا أقوى و أكبر و أعتى إمارة على الإطلاق في بلاد الحوض لكنها صرعان ما إنهارت بعد الحرب الضروس بين فروع القبيلة و تشكيلاتها .
و إذا كان بنو حسان قد إنتشروا في معظم الأراضي الموريتانية منذ القرن 15 و اصبحوا أصحاب الشوكة يقول ولد السعد إلا أنهم لم يستطيعوا إحداث نقلة نوعية في مجال ا لتنظيم السياسي السائد بالمنطقة إلا بعد عملية مخاض عسير جدا إستغرق ثلاثة قرون من الزمن ، و من المؤكد أنهم لم يوحدوا المناطق التي سيطروا عليها سياسيا ، لكنهم نجحوا نجاحا باهرا في توحيدها ثقافيا بنشرهم لغتهم الحسانية في عموم البلاد الممتدة من تخوم واد نون إلى نهر السنغال .
كانت هاته محاولة قراءة في كتاب مهم جدا عن تاريخ بني حسان ، لم أستطع حقيقة الإلمام به إلمام شاملا ، لكني فضلت أن أشرككم ببعض النتف المعرفية منه .
لمتعليقات القراء غير المسجلين
abdallahi.elbouaitaoui@gmail.com