في بداية الموسم الدراسي الفارط و بالضبط في 19/11/2009 كانت أول زيارة لجمعية لاروش إلى مدرسة لعظيم، و كانت الهدية يوم ذاك خزان للماء استفاد منه المدرسان و تلامذتهما. يوم ذاك اطلعت لاروش على حقيقة وضع المدرسة. و يوم ذاك عزمت الجمعية على علاج وضعية المدرسين و بناء سكن لهما، حيث كانا يقطنان جزءا من القسم في حين يدرسان بالجزء الآخر.
و بينما كانت الجمعية تعد العدة في بداية الموسم الحالي لتنفيذ مشروع سكن المدرسين، فوجئ السكان بخلو المدرسة من مدرسيها، و بعد التقصي تبين أنه قد تم نقلهما إلى فرعية أخرى، و أن الإدارة لا تتوفر على من يخلفهما، بمعنى أن مدرسة لعظيم قد حكم عليها بالإغلاق كما حدث لمدرسة أوريورة التي تبعد عنها بحوالي 8 كيلومترات. حكم على 16 تلميذا مجدين مواظبين يسيرون يوميا على أقدامهم من قبل بزوغ الشمس ما بين الساعة و الساعتين و نصف للوصول إلى حجرة الدرس أملا في مستقبل غني بالعلم و المعرفة. حكم على هؤلاء الأبطال بهجر الدراسة بينما تمتلئ وسائل الإعلام و ملصقات الجمعيات في المدن بشعارات الدعوة إلى مساعدة الذين هجروا المدارس ليعودوا إليها.
قال تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءهُ الأعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلاَ يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَنْ جَاءكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى}
و بعد أن أعيته محاولات استنفار القبيلة، اتصل امربيه التيفافي ممثل السكان بالمجلس المحلي بمحمد بوشدة نائب رئيس جمعية لاروش و أطلعه على الأمر و قلق السكان على فرص تعليم أبنائهم. فكانت الإتصالات مع مندوب التعليم بالجهة الذي بين واقع الحال. فجماعة راس أومليل التي في نفوذها مدرسة لعظيم تتميز بشساعتها و تباعد مساكن قاطنيها و وعورة مسالكها، لذلك ارتأت النيابة أن تجعلها ضمن لائحة الجماعات التي ستنفذ فيها خطة المدرسة الجماعاتية. و المدرسة الجماعاتية هي مدرسة ستتواجد بمركز الجماعة بها سكنية داخلية للتلاميذ لإيواء أطفال القرى. و لما كان هذا المشروع لن يرى النور حالا فقد توصلت الجمعية إلى اتفاق مع النيابة يقضي بالتعاقد مع مجاز لانقاذ هذا الموسم. و تم بالفعل التعاقد مع شاب قبل المهمة جزاه الله خيرا. و قد عبر لنا حين التقيناه أنه سعيد جدا بالمكان و سعيد أكثر بجيرانه الكرام.
بعد التفكير و التشاور و نظرا لاحتمال انتقال الأطفال السنة المقبلة إلى راس أومليل للدراسة بالمدرسة الجماعاتية رأت الجمعية أن مشروع بناء سكنية للمعلم لم يعد ذا أولوية. فقررت الجمعية أن تنفق الميزانية التي كانت مخصصة لذلك في شراء حاسوبين محمولين و ما يلزم من لوحة للطاقة الشمسية و بطارية و منظم و محول و ما تحتاجه من أسلاك و مصابيح لعلها تساعد المدرس و تلاميذه في تحدي بعض المعوقات البيداغوجية التي سببها حرمان المنطقة من الطاقة الكهربائية.
أفراد الرحلة:• محمد مولود بوشدة :
عن جمعية لاروش• محجوبة بوشدة :
عن جمعية لاروش• زينب بوشدة :
متطوعة• محمد بن علي العلوي :
عن رابطة الشرفاء الحسنيين العلويين و أبناء عمومتهم بالمغرب و الخارج• عبد الله موما :
عن جمعية الشاطئ الأبيض للبيئة و التراث و التنمية• عمر الداودي :
متطوع• محمد بومعيزة :
متطوع• هارون اسبيع الماضي :
متطوع• محمد سالم جبارة :
سائق لاندروف• عبد الرحمن بومسكين :
متطوع• الراحل بومسكين :
متطوع• الطيب بوكريمز :
متطوع• مسعود بوكريمز :
متطوعمراحل الرحلة :•
التجمع بمدينة كلميم : كان وصول عائلة بوشدة مساء الأحد من أكادير التي كانت حطت بها طائرتهم يوما قبل ذلك. فكان مبيتهم عند الراحل بومسكين. و صبيحة يوم الإثنين تم شراء ما تبقى من حاجيات. و بعد الغداء بدأت الرحلة باتجاه راس أومليل في سيارة لاندروفر و سيارة أخرى صغيرة.
•
راس أومليل :
كان الوصول إلى قرية راس أومليل يعني لنا انتهاء الطريق المعبد و بداية الرحلة الشاقة. كان يعني أيضا تخلينا عن السيارة الصغيرة و انضمام ركابها إلى الزحام داخل لاندروفر.
•
باتجاه لعظيم : ما أن انقضت بضع دقائق على الطريق الوعرة الخطرة التي سلكتها لاندروفر متقافزة بمن فيها فوق الأخاديد و المغارس، حتى اختفت كل معالم الاتجاه و التمايز. و صار نجاح الرحلة مرهونا بمعرفة السائق و بعض الركاب بالمعالم القليلة التي تميز المنطقة. و صار التحدي أن نصل قبل حلول الظلام و إلا اضطررنا للمبيت في البرية. الأرض منبسطة مترامية الأطراف في كل اتجاه تكسوها شجيرات صحراوية تبشر بسنة رعوية جيدة. و كثبان رملية تتداخل مع أودية و أخاديد تحكي عن مجار مائية منها القديم قدم الحياة فوق الكوكب و منها الحديث، كل منها ينتظر فضلا من منبع قد لا يعرف حتى السكان موقعه. كان العارفون ببعض المنطقة ينحنون ليتمكنوا من الرؤية عبر إحدى النوافذ فيشيرون إلى معالم يعرفونها. يتفقون أحيانا و أحيانا يختلفون. هذه الزاوية و هذا وادي كذا و ذلك غرد كذا. و على ضوء ذلك يقدرون ما بقي من مسافة الطريق. و كلما اقترب الغروب زاد التوجس، خصوصا أن العارفين متفقون على أن أصعب الطريق طريق رملية تمتد من موقع مدرسة أوريورة المهجورة باتجاه مدرسة لعظيم. لكن الله سلم، و قبل الوصول إلى منطقة الخطر بعث الله سيارة لاندروفر بها أحد أبناء المنطقة فسار أمامنا يهدينا حتى وصلنا خيمة أهل جليخ وقت الغروب. بعد السلام و الترحاب استأذن بعضنا للذهاب إلى المدرسة للقيام ببعض الإعدادات التي لا تستلزم ضوء النهار. تحدثنا أيضا إلى المدرس الذي عبر عن رضاه عن أهل المنطقة و حسن معاملتهم و إكرامهم له. هذا الإكرام الذي لم نجد سواه عندهم منذ استقبلتنا وجوههم السمحة حتى غادرناهم. و إذا كان لي أن أصف طيبة و كرم أولئك الأفاضل فلا شك سأحتاج لموضوع متفرد لذلك.
المدرسة :تتكون مدرسة لعظيم من قسم واحد قمسه المدرس بلحاف ليجعل جزءا منه محل سكنه و طبخه. و الجزء المخصص للدرس به مقاعد التلاميذ و أربع سبورات يبذل المدرس مستطاعه لاستعمالها في تدريس ستة فصول. التلاميذ 16 الذين يدرسون بالمدرسة موزعون كالتالي :
• المستوى الأول : تلميذان
• المستوى الثاني : تلميذتان و تلميذ
• المستوى الثالث : تلميذ و تلميذة
• المستوى الرابع : ثلاثة تلاميذ و تلميذة
• المستوى الخامس : ثلاث تلميذات و تلميذ
• المستوى السادس : تلميذة واحدة
تقع المدرسة في نقطة وسط بين مساكن المنطقة، لكن تباعد هذه المساكن عن بعضها يجعل التلاميذ يقطعون الساعة و الساعتين و أكثر للوصول إلى المدرسة. فباستثناء أبناء أهل جليخ فإن بقية الأطفال يخرجون من بيوتهم قبل طلوع الشمس و منهم من يخرج في العتمة حتى لا يتأخر عن الدرس. يقطع هؤلاء الأطفال الأبطال يوميا مسافات يرفض أطفال المدن قطعها و لو أسبوعيا كتدريب.
هدف الرحلة :بعد الإفطار و تناول الشاي صباح يوم الثلاثاء 08/11/2011 توجهنا جميعا إلى المدرسة و بدأنا في تنفيذ المهمة حيث قمنا بتثبيت لوحة الطاقة الشمسية فوق سطح المدرسة ووصلناها بمنظم ثبتناه داخل القسم ليكون رابطا بينها و بين البطارية من جهة و بينها و بين محول 12/220 من جهة أخرى. و الهدف من هذه التركيبة هو استعمال الحاسوبين عن طريق المحول. و قد تمت تجربة التركيبة و أثبتت نجاحها. فاليوم و نحن نقرأ هذه السطور نظن أن حاسوبا على الأقل شغال بمدرسة العظيم يستفيد منه المدرس أو تلامذته. كما صار بمقدوره إنارة مصابيح بالبطارية ليلا و غيرها من الإستعمالات المتطلبة للكهرباء.
الحضور :كانت الجمعية قد وجهت الدعوة للعديد من الجهات و لقيت هذه الدعوات ترحيبا و استجابة. و قد حضر هذا الحفل الذي أقيم احتفاء و تشجيعا لتلامذة تلك المدرسة عدد من المسؤولين في مقدمتهم نائب وزارة التربية الوطنية بكلميم و مدير مجموعة مدارس راس أومليل رفقة عدد من أطر الوزارة و تمثيلية عن المجلس القروي و عن قيادة المنطقة. كما حضر بعض أولياء التلاميذ. و قد تقدم الحضور بإلقاء كلمات تصب كلها في موضوع الدراسة بتلك الجماعة القروية، حيث تحدث محمد بوشدة عن اهتمام جالية أولاد بوعيطة عبر جمعية لاروش بمصير أبناء باديتنا و استعدادها للتعاون مع المسؤولين لإيجاد حلول لمشاكل التهميش التي يعاني منها طفل المنطقة. كما أكد أن ما حدث في بداية الموسم كان خطيرا إذ كاد يودي بالمستقبل التعليمي لأطفال نعلم قوة طموحهم. و في تدخله تعرض نائب الإقليم إلى صعوبة الحفاظ على مدارس المنطقة في البادية بسبب قلة التلاميذ مما يخلق مشكل التوزيع المعقول للموارد البشرية. و أشار إلى أن الوزارة لجأت إلى ما يعرف بالمدارس الجماعاتية لحل هذه المعضلة. كما أكد أنه سيتكفل بحل مشكل سكن المدرس و تجديد طلاء المدرسة. و استمرت التدخلات التي أجمعت كلها على أن العوائق كلها يمكن تجاوزها بالتعاون و التآزر.
كما تفضلت الوفود بتقديم هدايا رمزية للأطفال من كتب و أقلام و كرة هذا بالإضافة إلى الحلويات و المشروبات التي قدمتها الجمعية ليكون جو الإحتفالية و البهجة كاملا.
كرم الضيافة :وكما أكرم أهلنا وفادتنا ليلة البارحة عادوا فضاعفوا إكرامهم لنا و للحضور من ممثلي السلطة و الوزارة فكان احتفال آخر بنفس الخيمة الكبيرة و حوارات يطبعها الود و البساطة اللذان يسهلان الكثير من أسباب التعاون و التواصل.
و من تمام جود أهلنا أولئك أننا ما أحسسنا لحظة أننا ضيفان عندهم بل كنا و كانوا كأننا سادة و هم لنا خدم. فياليت شعري كيف بالإكرام تنافس قوما كلما أكرمتهم كانوا لك أكرم.