الإمارات التي تحدث عنها موما كلها إمارات كانت في الجهة القبلية من الصحراء أي بلاد موريتانيااليوم والمتتبع لتاريخها يجدأنه
سادت في هذه بلاد الحضارات التي أثرت في شمال غرب أفريقيا ككل، مثل الفينيقيين والرومان الذين دخلوها حوالي
146 ق.م. ثم الوندال في
428 م، وتمكن منها البيزنطيون عام
534م. ويعود أصل غالبية السكان إلى قبيلة صنهاجة، سواء كانت عربية أم بربرية، ثم دخلت قبائل بنو حسان الذين جاؤوا إلى أفريقية مع قبائل بني هلال، واستقر بنو حسان في موريتانياوالصحراء، وطبعوا هذه المنطقة بطابعهم حتى أن اللغة التي يتكلمها السكان تعرف باللهجة الحسانية.
وقد شكل العرب أو العرب والأمازيغ نسبة
85% من مجموع السكان، ويعرفون باسم البيضان، حتى إن نهر السنغال إنما جاءت تسميته نهر صنهاجة نسبة إلى هذه القبيلة التي تنتشر على ضفاف هذا النهرمن هتا يتضح لنا أن قبائل صنهاجة اللأمازبغية لها تأثير في هدا المجتمع الصحراوي البيضاني كما يقول إبن خلدون في مقدمته في الفصل العاشر في اختلاط الأنساب كيف يقع
اعلم أنه من البين أن بعضاً من أهل الأنساب يسقط إلى أهل نسب آخر بقرابة إليهم أو حلف أو ولاء أو لفرار من قومه بجناية أصابها فيدعى بنسب هؤلاء ويعد منهم في ثمراته من النعرة والقود وحمل الديات وسائر الأحوال. وإذا وجدت ثمرات النسب فكأنه وجد لأنه لا معنى لكونه من هؤلاء ومن هؤلاء إلا جريان أحكامهم وأحوالهم عليه وكأنه التحم بهم. ثم إنه قد يتناسى النسب الأول بطول الزمان ويذهب أهل العلم به فيخفى على الأكثر. وما زالت الأنساب تسقط من شعب إلى شعب ويلتحم قوم بآخرين في الجاهلية والإسلام والعرب والعجم تم يقول في الفصل الثالث والعشرون في أن المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده
والسبب في ذلك أن النفس أبداً تعتقد الكمال فيمن غلبها وانقادت إليه.... ولذلك ترى المغلوب يتشبه أبداً بالغالب في ملبسه ومركبه وسلاحه في اتخاذها وأشكالها بل وفي سائر أحواله. وانظر ذلك في الأبناء مع آبائهم كيف تجدهم متشبهين بهم دائماً وما ذلك إلا لاعتقادهم الكمال فيهم. وانظر إلى كل قطر من الأقطار كيف يغلب على أهله زي الحامية وجند السلطان في الأكثر لأنهم الغالبون لهم حتى إنه إذا كانت أمة تجاور أخرى ولها الغلب عليها فيسري إليهم من هذا التشبه والاقتداء حظ كبيرولقد حدث تلاحم واندماج بين قبائل صنهاجة البربرية وبين قبائل حسان العربية في موريتانيا والصحراء ويكاد يكون هو الإندماج الوحيد والنادر الدي كان بين العرب والأمازيغ في كل دول المغرب العربي ،فأين نرصد هدا الإندماج وهدا الإنصهار؟
لقد أورد
محمد أرجدال في الحوار المتمدن العدد
1862 بتاريخ
22/3/2007 بعض من ملامح هدا التلاحم والتأثير سنرصد منه بعض اللجوانب فحتى وإن كان هو بنكلم عن القبائل الصحراوية بالمغرب فهي لا تختلف عن قبائل موريتان
... لكن الاندماج لم يطمس شواهد الماضي الدالة على الانتماءات الأصلية، بحيث نجد تلك الشواهد في معطيين إثنين، أولهما أسماء القبائل نفسها، وأسماء البطون وأسماء الإفراد أحيانا... وثانيهما هو المعجم اللغوي المستعمل لما يوجد فيه من المفردات الأمازيغية المعربة... ولا شك أن أفواج المهاجرين العرب حملت معها مفردات وأساليب تعبير أثرت في لغة الصحراء، لكنها لم تجردها من تراثها الأمازيغي المتمثل في ظواهر فونولوجية ومعجمية وتركيبية. إذ يغلب الظن أن نكون بصدد قبائل أمازيغية تعربت بشكل متفاوت. فلا الصفات لبدنية ولا أنماط العيش ولا اللغة تؤهل اليوم لتمييز الأمازيغ عن الأعراب، كما أن الاستعمال اللغوي لا يدل وحده على الانتماء إلى إحدى المجموعتين الإثنيتين... ذلك أن المصطلحات اللغوية المستعملة مثلا في المعايرة أو تقسيم الماء أو بالنسبة للأحواض المسقية تنغلق على عبارات ومفردات أمازيغية حتى لدى الناطقين بالحسانية. أما إذا تتبعنا التصنيفات العرقية المستعملة في تدوين القبائل أصبح حجم المفردات مقلوبا، فيمكن الإقرار، فيما عدا بعض الاستثناءات، بأمازيغية مجمل القبائل بنسب متفاوتة التهجين. وهذا ما ينم عن مفاهيم واصطلاحات أمازيغ معربين وأعراب ممزغين. فالناطقون بالأمازيغية ليسوا بالضرورة أمازيغ كما أن عادات وتقاليد مجمل الفرق الناطقة بالعربية تدل على أصل أمازيغي... وتفيد الروايات الشفوية أن كلمة "آيت" التي تتصدر في أغلب الحالات أسماء القبائل ومختلف تجزيئاتها إنما تفيد أمازيغية الارتباط. و"ليس غريبا أن نجد مثلا أن اللهجة الحسانية التي تنطق بها المجموعات الإثنية الصحراوية الثلاث (تكنة، الركيبات والمور) هي لهجة قريبة من اللغة العربية الفصحى، ممزوجة بكلمات أمازيغية اللهجة السوسية خاصةولدى تلاوة الشعر الحساني تلمس أن المنشد يتلو عليك التفعيلات وليس الكلمات. فالوزن هو سيد الموقف... والوحدة الوزنية يقال لها "تفلويت"... وهي صيغة مغربية قحة نحتت بتأثير من الأمازيغية. وهذه إذا كانت شهادة إثبات على وحدة الموطن، فهي أيضا شهادة على التداخل، بل الانصهار بين ما هو عربي وأمازيغي في كل أمور حياتنا"
أما عن أسباب التواصل الثقافي بين الحسانية والأمازيغيةفيتابح أحمد أرجدال قائلا
. تتواصل الثقافتان لأسباب كثيرة ومتداخلة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
عوامل تاريخية: كانت الصحراء موطنا للقبائل الصنهاجية (زناكة) لمدة قرون، وهي مهد لأهم الدول المغربية (المرابطية) التي حكمت من أعماق الصحراء إلى نهر الإبر بالأندلس. هذه القبائل الأمازيغية المعروفة بمراقبتها لطرق القوافل التجارية المعروفة في العصر الوسيط. وعند استقدام الموحدين للقبائل العربية الهلالية المعقلية إلى المنطقة اندمجت بالعناصر الأمازيغية فوقع "تأثير متبادل بين العنصر العربي والعنصر الأمازيغي كل منهما في الآخر. فالعنصر الأمازيغي عمق إسلام العنصر العربي، بينما هذا الأخير نقل إلى الآخر لغته العربية مما مكنه من تحصيل ثقافة إسلامية أقل إيجازا. وهذا ما أكده المستعرب الفرنسي ألفريدبل". وبني حسان الذي تنتسب إليه القبائل الموجودة حاليا في الصحراء (الحسانية) ما هو إلا فرعا من قبائل بني معقل التي كانت في موكب بني هلال وبني سليم من مصر إلى إفريقية، ومنها إلى الصحراء المغربية. وقد ساعدها على الاستقرار فيما بين الأطلس الصغير ووادي درعة العامل الموحدي المنشق عن سلطة الموحدين علي بن يدر الذي استعان بالمعقليين واتخذهم جيشا له. لكن حملات المرينيين على سوس وجنوب الأطلس الصغير دفعت بأهم فروع حسان إلى مغادرة المنطقة إلى الجنوب بالساقية الحمراء ووادي الذهب وموريتانيا حيث استقروا إلى الآن. كما أن سلاطين المغاربة على مر العصور كانوا يقومون بإرسال بعثات وحملات إلى أعماق الصحراء مثل أحمد المنصور الذهبي ومولاي إسماعيل وسيدي محمد بن عبد الله والحسن الأول. هذه الحملات التي تضم أعيان وشرفاء القبائل الأمازيغية التي لها أقارب ومريدون بالصحراء....
التبادل التجاري: كانت الصحراء المغربية معبرا لطرق القوافل بين المراكز التجارية القديمة بالشمال بمثيلتها بالجنوب نول لمطة، تكداوست، أوليل. وكذا المراكز الحديثة ككلميم، السمارة، شنقيط. كما أن للأسواق الكبيرة والمواسم المشهورة بوادي نون وسوس والصحراء الشرقية أهمية كبيرة في خلق احتكاك بين القبائل الأمازيغية والحسانية يتم فيه التواصل الثقافي عبر المعاملات التجارية التي تفرض على التجار معرفة لغة الآخر لتسهيل التواصل فيما بين العنصرين
رحلات مرشدي الزوايا والطرق الصوفية وفقهاء المذهب المالكي: ابتدأت رحلة فقهاء المذهب المالكي إلى الصحراء بدءا برحلة عبد الله بن ياسين الصنهاجي إلى مواطن قبيلة كدالة بأعماق الصحراء، واستمرت بعثات الفقهاء المالكيين على إفريقيا السوداء مرورا بالصحراء. وأغلب هؤلاء الفقهاء أمازيغيون، كما أن الطلبة الصحراويين يفدون على المدارس العتيقة لحفظ القرآن والعلوم الشرعية بسوس. وإلى جانب الفقهاء يقوم شيوخ الطرق الصوفية برحلات إلى الصحراء لنشر طرقهم وزيارة المريدين وجمع الهدايا. ومن أبرز هذه الطرق الصوفية (الناصرية، القلالية، التجانية، الرحالية، الدرقاوية
المصاهرة: منذ استقرار القبائل بالصحراء واحتكاكها بعضها ببعض بدأ التمازج بين العنصرين بالمصاهرات، مما أدى إلى تعريب الكثير من المفردات الأمازيغية، وكذا القبائل الأمازيغية. وما زالت المصاهرة بين هذه العناصر الحسانية والأمازيغية مستمرة. فلا تخلو عشيرة حسانية من امرأة أمازيغية، وخاصة قبائل من قبائل البدو أمثال إدبراهيم، آيت حماد، آيت أمريبض. وقد شجع على ذلك عوامل اقتصادية واجتماعية مثل اشتراك عشائر امازيغية رحل وحسانية في النجع وكذا غلاء المهور لدى بعض القبائل الحسانية عكس بعضها الأمازيغية.
ـ
مظاهر التواصل الثقافي الأمازيغي الحساني:
يظهر هذا التواصل في مجالات عدة، نذكر منها:
أ ـ
الطوبونوميا: نلمس الحضور الأمازيغي بمجمل أراضي الصحراء، إذ تفيد الدراسات الطوبونومية على ان معظم أسماء الأماكن ذات أصول أمازيغية، نذكر منها: أبطيح، إخف نير، الطرف أيا، بئر إينزارن، مگالة، زمور، تاگانت، أدرار، تشلت، أوسرد، عين بن تيلي، أطّار، أنو أوكشوض...
وكذا أسماء القبائل وبطونها مثل أولاد تيدرارين، تاوبالت، زناگة، آيت وعبان، يكوت، أهل بوكيوض، بوتزوي...
ب ـ العادات والتقاليد: تنتشر العادات والتقاليد الأمازيغية عند القبائل الحسانية بشكل لافت للنظر. فجميع صفات وأعمال وطبائع المرأة الأمازيغية الصنهاجية ورثتها عندها المرأة الحسانية، من اختلاط بالرجال وممارسة للأعمال إلى جانب الرجال وتحرر، وحتى الصفات البدنية من سمنة وكيفية الجلوس (تمرفيك): "إنه رأى منهن امرأة راقدة على جنبها وكذلك يفعلن في أكثر حالهن إشفاقا من الجلوس على أردافهن. كما أن اللباس التارگي (الطوارقي) المنتشر بمجموع دول الساحل الإفريقي هو لباس الرجل الصحراوي من دراعة زرقاء ولثام أسود وأحيانا أزرق أو أبيض، سواء كان هذا الرجل الصحراوي أمازيغيا أو حسانيا إذ هو لباس قبائل وادي نون وقبائل طاطا وتسبينت وأمريبض. ومن المعروف عند العرب أنهم لا يحلقون شعر رؤوسهم، لكن الحسانيين عكسوا ذلك وتشبثوا بحلاقة الشعر كما يفعل الأمازيغ. أما الأدوات التي تتزين بها المرأة الحسانية فأغلبها أمازيغي كما يظهر في أسمائها: أمجون، لخراص، تاسوفرا
.
ج ـ اللغة الحسانية: عرفها أحمد بن لمين الشنقيطي في كتابه: "الوسيط في ادباء شنقيط" (الطبعة الثانية سنة
1988، موريطانيا، صفحة
513) بأنها: "كلام حسان وكلام العرب وهي لغة بعضها عربي ظاهر إلا أن تسكين المتحرك كثير فيه وبعضها لا يعرف لها اشتقاق وليس مأخوذا من اللغات البربرية لأنه لا يوجد فيها". نعم الحسانية مزيج من اللغة العربية المعقلية ومن الأمازيغية التي يحاول الشنقيطي نفيها لأن العديد من الباحثين في اللسانيات وعلم الاجتماع والأنتروبولوجية أكدوا هذا الامتزاج الذي يتضح في المعجم اللغوي الحساني الذي يضم العديد من المفردات الأمازيغية، وكذا الظواهر الفونولوجية والتركيبية. والجدول التالي يبين بعض الكلمات الأمازيغية التي تزخر بها الحسانية:
العربية الحسانية الأمازيغية
الشجاع إفكراش أفكروش
الرجل أركاج أركاز
الأرملة تادكلاتن تادكالت
البهو المسرية تامسريت
الزعتر زوكني أزوكني
الضباب أبوخام أبوخام
نزع سوكف إيسوكف
كتب زمم إزمم
زار رزف إيرزف
د ـ الشعر الحساني: استطاع التأثير الأمازيغي أن يصل إلى الشعر الحساني البليغ، هذا الشعر الذي يعرف في الصحراء بالكيفان، جمع كاف، وهي أبيات شعرية موزونة بتفعيلات كما هو مبين في المقولة الحسانية "الكاف عندو تيفلواتن ثلاثة والمكايم والحمر أثلاثة". وأغلب تصنيفات الكيفان (البحور الشعرية) بالأمازيغية البائدة، لغة زناگة إذ بين الأستاذ باه النعمة هذه الطرق التي ينظم عليها الشعر في كتابه: "الشعر الحساني: المرجع، المجال النقدي"، صفحة
63، حيث صنفه في طريقتين، الطريقة البيضاء والطريقة السوداء. وأغلب أسماء الأوزان بأمازيغية زناگة وتارگة مثل: كرنتماس، سنيكر، تندجوكلا، سيني فاغو، كرمك موس، فاغو غراي، كرنوافل، فاغو شبار...
كما أن الشعراء والمطربين يسمون بإيگاونن، مفرده يگيو، وكذلك بإيزاون، مفرده أزاي، وهي مصطلحات امازيغية. كما أن الآلات الموسيقية في الصحراء تحمل أسماء امازيغية، مثل: التدينيت، وهي آلة موسيقية وترية تتكون من تيشّيط وتزوّه وتامونانت. كما أن أسماء فطاحل الشعراء الحسانيين تميل إلى الأمازيغية الزناگية والتارگية أكثر منه إلى اللغة العربية، مثل: سدوم ولدنجرتو، أدخيل ولد سيدي بابا، ولددحان، ولد أحمد يور