بسم الله الرحمن الرحيم .
أفتتح معكم أخوتي أخواتي أعضاء و زوار هذا المنتدى العزيز سلسلة تعريفية لمعالم و أعلام من بلاد البيظان ، في محاولة متواضعة لإعطاء و لو نظرة ضيقة عن بعض المعالم و كذلك رجالات هذا الجزء من وطننا العربي الإسلامي العزيز ، كما هو معروف يمتد مجال البيظان كما إصطلح على تعريفه المهتمون بهذا المجال ، ما بين واد نون شمالا و نهر السنغال غربا ، و ما بين الخط الرابط بين الحمادة شرقا إلى بلاد الأزواد شمال مالي حاليا .
هذه البلاد لم تجمع بينها في وقت من الأوقات وحدة سياسية إذا إستثنينا حكم دولة المرابطين ، المهم لم ينشأ هذا المصطلح من فراغ [ بلاد البيضان ] ، أول من ذكر هذا المصطلح و حاول التأسيس له هو العلامة الشيخ المامي الباركلي ، و إن كان يطلق في بعض الأيان إسم البلاد السائبة على المنطقة ، لكنه و بشمولية يختزل حدود هذا المجال ، جاء البرتغال للمنطقة في حدود القرن 15 الميلادي و إتصلوا بالسكان الأصليين و أطلقوا عليهم إسم المورو أي الرجال السمر ، و إستمر هذا التعريف في الألسن الأروبية ، و إن كان الفرنسيون هم من رسخه في كتاباتهم تحت إسم maures ، ليستمر إستعمال هذا المصطلح في الألسن الغربية إلى أيامنا هذه .
أما الكتابات العربية فقد فضلت إطلاق مصطلح البيظان على المنطقة ، و ظهر هذا المصطلح أول مرة في رحلة إبن بطوطة للسودان ، و كان يفرق بين قرى السودان و صنهاجة بقوله ، و كانت هناك قرى للسودان و أخرى للبيضان و قد وصف في رحلته تصرفات البيضان و أخلاقهم و نسائهم ، و تجدر الإشارة إلى أن المنطقة لم يتدفق لها عرب بنو حسان بعد . إستمر هذا اللفظ يطلق على البلاد لكنه سيتحول مع دخول بني حسان من طابع العرقي إلى طابع ثقافي ، فاقتصر لفظ البيظان على أصحاب السيادة و الشوكة من العرب و الزوايا ، و نظرا لأنهم هم من حكموا البلاد و ساسوها فقد باتت البلاد تطلق بإسمهم ، و يصر أغلب الكتاب الموريتانيين على إعتبار تعريف مجال البيظان يطلق على المنطقة التي يتحدث أهلها باللهجة الحسانية ، هذا التعريف يمكن أن يقودنا حسب الأنثروبولوجيين إلى تعريف دقيق للبلاد .
على كل حال كانت هذا محاولة لتعريف المنطقة التي سنحاول تعريف بعض أعلامها و معالمها ، و هنا لا ندعي التفرد و المصداقية ، فما هي إلا معلومات سنسوقها من أفئدة الكتب و المراجع ننسق بينها و نأتي بها لكم ، كما لا أدعي التفرد ، فمن كان لديه تعريف بمعلم أو علم بيظاني فالباب مفتوح .
نستهل باب التعريف بالأعلام بعلم من أعلام الزهد و التقوى ، و الذي لا يصح و لا يستقيم الحال أن نقدم عليه أحد ، فهو من هو و يكفيه إسمه ، جبل من جبال العلم و الورع ، سيدي المختار ولد بوبكر الكنتي .
أستهل التعريف به ببيت شعري قيل في حقه ، من لدن سلطان دولة سوكوتو [ نيجيريا حاليا ] :
يا قاصدا نحو الهدى يقتاد به ******و يقودني في ليلتي و نهاري
أبلغ تحياتنا لكنتا بأســـــرها******لا سيما للسيد المخــــــــتار.
ولد سيدي المختار سنة 1728 ميلادي ، في مضارب قبيلة كنتـــــة ، ببلاد الأزواد شمال دولة مالي حاليا ، إذ كانت هاته القبيلة أحد قبائل العلم و التصوف بالبلاد ، نشأ نشأة يتيمة، و كان من تقاليد هاته القبيلة هي صرف أبنائها نحو التعليم و التفقه منذ الصغر ، لكن سيدي المختار نظرا لنشأته المتعثرة لم يفلح في مجارات أقرانه ، لكنه في مراحل متقدمة من طفولته و عندما سخر منه أقرانه قال ما معناه [ فوالله لا ألهو اليوم ولأجهدن نفسي في أن لا يأخذ أحد كتابا إلا سبقته إلى علم ما فيه ] .
منذ ذلك الحين و سيدي المختار يزداد علما حتى بات من أكبر علماء عصره ، تضرب إليه أكباد الإبل ، حول قبيلته كنتة من قبيلة زوايا عادية ، إلى أحد أعظم قبائل البلاد البيظانية ، فتدفق عليه مئات من طلبة العلم ، يشدون إليه الرحال من كل حدب و صوب ، و كان أبرزهم الشيخ سيديا الإبييري و ما أدراك ما الشيخ سيديا الذي لازمه و لازم نجله من بعده سيدي محمد ولد سيدي المختار ، ما حير الدارسين هو أن سيدي المختار درس ببلاد الطوارق المشهور لها بقلة العلم و عدم نبوغ علمائها و تضلعهم ، بل يصفهم البعض بأنه كفرة خارجين عن الدين لما يقومون به من أعمال حربية ضد القبائل البيظانية و السودانية على حد سواء ، هذا ما جعل مريديه من بعده يعتبرون ذلك كرامة من كراماته رحمه الله ، يصف لنا إبنه سيدي محمد ولد سيدي المختار الكنتي في كتابه [ الطرائف و التلائد في كرامات الشيخين الوالدة و الوالد ] مجمل خصاله و شمائله و طريقه في التعلم و التعليم ، و في هذا الكتاب الزاخر يصف لنا المريدين القادمين من كافة الأصقاع ، من طرابلس و تونس و المغرب الأقصى و بلاد المغافرة كما سماها و هي أغلب أجزاء موريتانيا ، كان من بين مريديه و أمراء و سلاطين و أشياخ قبائل ، من شتى الفئات ، سلاطين سوكوتو ،و ماسينا ، و بنبارة ، و سلاطين الفلان و كل هؤلاء من السودان ، و سلاطين الطوارق ، و أمراء الإمارات البيضانية ، و أشياخ القبائل العربية و غير العربية .
شكلت فترة حياته أحد أهم مراحل الإستقرار بالمنطقة ، إذ عم السلام و الأمن لأن الجميع كان يحتمي به و يلجأ له و كان يفض النزاعات بين الإمارات و السلطنات ، لم يستعمل سيدي المختار رحمه الله جيشا و لا أسطولا ليخضع هاته الجهات المترامية الأطراف ، بل إستعمل الدين و الرأفة و الكلمة الطيبة حتى دانت له هاته الربوع .
توفي سيدي المختار سنة 1811 و سيخلفه على رأس قبيلته و طريقته إبنه سيدي محمد و هو خامس أبنائه من حيث السن ، لكنه أثبت أنه شبيه والده ، سيتخذ آل سيدي المختار من مدينة تنبوكتو مستقرا لهم ، و سيكون لهم شأن كبير جدا في التصدي لمحاولة الإحتلال الفرنسي لبلاد ماسينا ، مالي حاليا ، إذ سيؤخرون ذلك عدة سنوات ، و بعد سنوات الضغط الفرنسي على المنطقة سيقرر آل سيدي المختار الإحتماء بالسلطان ، فتوجهت عائلات منهم إلى إسطامبول دار الخلافة الإسلامية ، و فضلت عائلات أخرى الإحتماء بالدولة المغربية .
فاستقروا بمنطقة أقا و أنشأوا ما يعرف اليوم ب قصر البركة بالمنطقة المذكورة .الذي يحييون فيه سنويا ذكرى ما يمكن أن نطلق عليه الجلاء من بلاد أزواد ، قبيلة كنتة لا تحتاج ني هنا تعريفا ، فهي نار على علم .
المراجع المعتمدة : الوسيط في تراجم أدباء شنقيط ، الطرائف و التلائد ، فتح الشكور في معرفة أعيان علماء التكرور ، إنفاق الميسور في تاريخ بلاد التكرور .
في الختام أتمنى ألا أكون قد أطلت ، و السلام عليكم ، في لقاء مع علم أو معلم من بلاد البيظان .
أفتتح معكم أخوتي أخواتي أعضاء و زوار هذا المنتدى العزيز سلسلة تعريفية لمعالم و أعلام من بلاد البيظان ، في محاولة متواضعة لإعطاء و لو نظرة ضيقة عن بعض المعالم و كذلك رجالات هذا الجزء من وطننا العربي الإسلامي العزيز ، كما هو معروف يمتد مجال البيظان كما إصطلح على تعريفه المهتمون بهذا المجال ، ما بين واد نون شمالا و نهر السنغال غربا ، و ما بين الخط الرابط بين الحمادة شرقا إلى بلاد الأزواد شمال مالي حاليا .
هذه البلاد لم تجمع بينها في وقت من الأوقات وحدة سياسية إذا إستثنينا حكم دولة المرابطين ، المهم لم ينشأ هذا المصطلح من فراغ [ بلاد البيضان ] ، أول من ذكر هذا المصطلح و حاول التأسيس له هو العلامة الشيخ المامي الباركلي ، و إن كان يطلق في بعض الأيان إسم البلاد السائبة على المنطقة ، لكنه و بشمولية يختزل حدود هذا المجال ، جاء البرتغال للمنطقة في حدود القرن 15 الميلادي و إتصلوا بالسكان الأصليين و أطلقوا عليهم إسم المورو أي الرجال السمر ، و إستمر هذا التعريف في الألسن الأروبية ، و إن كان الفرنسيون هم من رسخه في كتاباتهم تحت إسم maures ، ليستمر إستعمال هذا المصطلح في الألسن الغربية إلى أيامنا هذه .
أما الكتابات العربية فقد فضلت إطلاق مصطلح البيظان على المنطقة ، و ظهر هذا المصطلح أول مرة في رحلة إبن بطوطة للسودان ، و كان يفرق بين قرى السودان و صنهاجة بقوله ، و كانت هناك قرى للسودان و أخرى للبيضان و قد وصف في رحلته تصرفات البيضان و أخلاقهم و نسائهم ، و تجدر الإشارة إلى أن المنطقة لم يتدفق لها عرب بنو حسان بعد . إستمر هذا اللفظ يطلق على البلاد لكنه سيتحول مع دخول بني حسان من طابع العرقي إلى طابع ثقافي ، فاقتصر لفظ البيظان على أصحاب السيادة و الشوكة من العرب و الزوايا ، و نظرا لأنهم هم من حكموا البلاد و ساسوها فقد باتت البلاد تطلق بإسمهم ، و يصر أغلب الكتاب الموريتانيين على إعتبار تعريف مجال البيظان يطلق على المنطقة التي يتحدث أهلها باللهجة الحسانية ، هذا التعريف يمكن أن يقودنا حسب الأنثروبولوجيين إلى تعريف دقيق للبلاد .
على كل حال كانت هذا محاولة لتعريف المنطقة التي سنحاول تعريف بعض أعلامها و معالمها ، و هنا لا ندعي التفرد و المصداقية ، فما هي إلا معلومات سنسوقها من أفئدة الكتب و المراجع ننسق بينها و نأتي بها لكم ، كما لا أدعي التفرد ، فمن كان لديه تعريف بمعلم أو علم بيظاني فالباب مفتوح .
نستهل باب التعريف بالأعلام بعلم من أعلام الزهد و التقوى ، و الذي لا يصح و لا يستقيم الحال أن نقدم عليه أحد ، فهو من هو و يكفيه إسمه ، جبل من جبال العلم و الورع ، سيدي المختار ولد بوبكر الكنتي .
أستهل التعريف به ببيت شعري قيل في حقه ، من لدن سلطان دولة سوكوتو [ نيجيريا حاليا ] :
يا قاصدا نحو الهدى يقتاد به ******و يقودني في ليلتي و نهاري
أبلغ تحياتنا لكنتا بأســـــرها******لا سيما للسيد المخــــــــتار.
ولد سيدي المختار سنة 1728 ميلادي ، في مضارب قبيلة كنتـــــة ، ببلاد الأزواد شمال دولة مالي حاليا ، إذ كانت هاته القبيلة أحد قبائل العلم و التصوف بالبلاد ، نشأ نشأة يتيمة، و كان من تقاليد هاته القبيلة هي صرف أبنائها نحو التعليم و التفقه منذ الصغر ، لكن سيدي المختار نظرا لنشأته المتعثرة لم يفلح في مجارات أقرانه ، لكنه في مراحل متقدمة من طفولته و عندما سخر منه أقرانه قال ما معناه [ فوالله لا ألهو اليوم ولأجهدن نفسي في أن لا يأخذ أحد كتابا إلا سبقته إلى علم ما فيه ] .
منذ ذلك الحين و سيدي المختار يزداد علما حتى بات من أكبر علماء عصره ، تضرب إليه أكباد الإبل ، حول قبيلته كنتة من قبيلة زوايا عادية ، إلى أحد أعظم قبائل البلاد البيظانية ، فتدفق عليه مئات من طلبة العلم ، يشدون إليه الرحال من كل حدب و صوب ، و كان أبرزهم الشيخ سيديا الإبييري و ما أدراك ما الشيخ سيديا الذي لازمه و لازم نجله من بعده سيدي محمد ولد سيدي المختار ، ما حير الدارسين هو أن سيدي المختار درس ببلاد الطوارق المشهور لها بقلة العلم و عدم نبوغ علمائها و تضلعهم ، بل يصفهم البعض بأنه كفرة خارجين عن الدين لما يقومون به من أعمال حربية ضد القبائل البيظانية و السودانية على حد سواء ، هذا ما جعل مريديه من بعده يعتبرون ذلك كرامة من كراماته رحمه الله ، يصف لنا إبنه سيدي محمد ولد سيدي المختار الكنتي في كتابه [ الطرائف و التلائد في كرامات الشيخين الوالدة و الوالد ] مجمل خصاله و شمائله و طريقه في التعلم و التعليم ، و في هذا الكتاب الزاخر يصف لنا المريدين القادمين من كافة الأصقاع ، من طرابلس و تونس و المغرب الأقصى و بلاد المغافرة كما سماها و هي أغلب أجزاء موريتانيا ، كان من بين مريديه و أمراء و سلاطين و أشياخ قبائل ، من شتى الفئات ، سلاطين سوكوتو ،و ماسينا ، و بنبارة ، و سلاطين الفلان و كل هؤلاء من السودان ، و سلاطين الطوارق ، و أمراء الإمارات البيضانية ، و أشياخ القبائل العربية و غير العربية .
شكلت فترة حياته أحد أهم مراحل الإستقرار بالمنطقة ، إذ عم السلام و الأمن لأن الجميع كان يحتمي به و يلجأ له و كان يفض النزاعات بين الإمارات و السلطنات ، لم يستعمل سيدي المختار رحمه الله جيشا و لا أسطولا ليخضع هاته الجهات المترامية الأطراف ، بل إستعمل الدين و الرأفة و الكلمة الطيبة حتى دانت له هاته الربوع .
توفي سيدي المختار سنة 1811 و سيخلفه على رأس قبيلته و طريقته إبنه سيدي محمد و هو خامس أبنائه من حيث السن ، لكنه أثبت أنه شبيه والده ، سيتخذ آل سيدي المختار من مدينة تنبوكتو مستقرا لهم ، و سيكون لهم شأن كبير جدا في التصدي لمحاولة الإحتلال الفرنسي لبلاد ماسينا ، مالي حاليا ، إذ سيؤخرون ذلك عدة سنوات ، و بعد سنوات الضغط الفرنسي على المنطقة سيقرر آل سيدي المختار الإحتماء بالسلطان ، فتوجهت عائلات منهم إلى إسطامبول دار الخلافة الإسلامية ، و فضلت عائلات أخرى الإحتماء بالدولة المغربية .
فاستقروا بمنطقة أقا و أنشأوا ما يعرف اليوم ب قصر البركة بالمنطقة المذكورة .الذي يحييون فيه سنويا ذكرى ما يمكن أن نطلق عليه الجلاء من بلاد أزواد ، قبيلة كنتة لا تحتاج ني هنا تعريفا ، فهي نار على علم .
المراجع المعتمدة : الوسيط في تراجم أدباء شنقيط ، الطرائف و التلائد ، فتح الشكور في معرفة أعيان علماء التكرور ، إنفاق الميسور في تاريخ بلاد التكرور .
في الختام أتمنى ألا أكون قد أطلت ، و السلام عليكم ، في لقاء مع علم أو معلم من بلاد البيظان .